ما الذي دفع إسرائيل إلى هجومها على «حماس» في قطر؟
آدم راسغون وإيزابيل كيرشنر- نيويورك تايمز
Friday, 12-Sep-2025 07:37

يعتقد مسؤولون ومحلّلون إسرائيليّون، أنّ الإنتقام من الهجوم الذي قادته «حماس» عام 2023 على إسرائيل، والإحباط من مفاوضات التهدئة المتعثرة في غزة، كانا وراء قرار توجيه الضربة في الدوحة.

منذ أن قتلت «حماس» وخطفت مئات الإسرائيليِّين في 7 تشرين الأول 2023، اغتالت إسرائيل قادة من الجماعة الفلسطينية المسلحة في لبنان وإيران وغزة. لكنّ قطر، حيث يُقيم عدد من كبار قادة «حماس»، كانت تُعتبر منذ زمن منطقة محرّمة.

 

فالدولة الخليجية الغنية تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، وتحافظ على علاقات غير رسمية مع إسرائيل. كما أنّها لعبت دور الوسيط بين إسرائيل و»حماس» لإنهاء حرب غزة.

 

لذلك، كان من الصادم أن تتجاهل إسرائيل كل هذه الاعتبارات وتُرسل مقاتلاتها يوم الثلاثاء لمحاولة اغتيال قيادة «حماس» في الدوحة، مستهدفةً مبنى بلَون برتقالي محترق في وضح النهار داخل حَيّ سكني تُحيط به مدارس وسفارات.

 

وأعلنت «حماس» أنّ أياً من قادتها الكبار لم يُقتل في الهجوم. لكنّ نجل خليل الحيّة، القيادي البارز الذي ساعد في التخطيط لهجوم 2023، قُتل مع 4 آخرين مرتبطين بالجماعة وعضو في قوات الأمن الداخلي القطرية.

 

وذكرت وزارة الداخلية القطرية، أنّ عدداً من المدنيِّين أُصيبوا أيضاً. ولم يُدلِ المسؤولون الإسرائيليّون بأي تعليق علني حول تقييماتهم لما إذا كان أي من أهدافهم من «حماس» قد قُتل أو جُرح.

 

قدّم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الضربة باعتبارها جزءاً من مهمّة إسرائيل المعلنة مراراً للانتقام من هجوم تشرين الأول 2023 الذي قادته «حماس»، وضمان عدم تكراره.

 

بعد ساعات من الضربات، أعلن نتنياهو: «انتهت الأيام التي كان يتمتع فيها زعماء الإرهاب بالحصانة في أي مكان». الأربعاء وسّع مبرّراته، مندّداً بقطر لأنّها «تؤوي إرهابيِّين. إنّها تموّل «حماس»، وتمنح قادتها الإرهابيِّين فِلَلاً فاخرة».

 

وأوضح مسؤولون قطريّون، أنّهم استضافوا قادة «حماس» بناءً على طلب من الحكومة الأميركية لتسهيل قنوات التواصل مع الجماعة. وكان نتنياهو نفسه قد اعتمد في الماضي على قطر لإرسال ملايين الدولارات شهرياً إلى غزة، في سياسة هدفت إلى شراء الهدوء والحفاظ على الاستقرار، لكنّها في الوقت عينه ساعدت في تعزيز حُكم «حماس» على القطاع.

 

وصف رئيس وزراء قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الهجوم الإسرائيلي بأنّه «إرهاب دولة»، في مقابلة مع شبكة CNN الأربعاء، مضيفاً أنّ نتنياهو يجب أن «يُقدَّم إلى العدالة» لأنّ الضربة «قتلت أي أمل» في قضية الرهائن.

 

ورأى مسؤولون إسرائيليّون حاليّون وسابقون، أنّ الهجوم في الدوحة أبرز إصرار إسرائيل على محاسبة خصومها. وأوضح يعقوب عميدرور، اللواء المتقاعد والمستشار السابق لنتنياهو للأمن القومي، أنّ إسرائيل كانت في الماضي تحدّ من أفعالها لتجنّب إثارة صراعات أو تخريب العلاقات الحساسة مع دول مثل قطر، لكن: «الآن نقول: إذا حاولتَ قتل إسرائيليِّين، ستُقتَل أينما كنت».

 

منذ هجوم تشرين الأول 2023، اتخذت إسرائيل إجراءات عسكرية ضدّ أعدائها بشكل أكثر عدوانية من ذي قبل، فقتلت زعيم «حزب الله» المدعوم من إيران في لبنان ونفّذت هجوماً واسع النطاق على منشآت إيران النووية.

 

لكنّ اتباع هذه الاستراتيجية قد تترتب عليه عواقب كبيرة وغير مرغوبة في وقت حرج في الشرق الأوسط، بما في ذلك تقويض جهود إسرائيل لتوسيع علاقاتها مع دول الخليج العربية.

 

ورأى بعض المراقبين الإسرائيليِّين، أنّ الهجوم أظهر أنّ نتنياهو يُفضّل تفكيك «حماس» على الإفراج عن الرهائن أو تطوير خطة لحُكم غزة مستقبلاً.

 

وأوضحت عدي روتِم، الضابطة السابقة في الاستخبارات الإسرائيلية التي خدمت في فريق التفاوض حول حرب غزة حتى كانون الأول 2024: «إنّه يوضّح أنّ تدمير «حماس» هو هدفه الأول والأهم».

 

وأكّد نتنياهو أنّه ملتزم بالقضاء على «حماس» وإعادة الرهائن معاً. لكنّ المحلّلين أكّدوا أنّه بات من الواضح بشكل متزايد أنّ السبيل الوحيد لإعادة جميع الرهائن هو عبر اتفاق مع «حماس» التي جعلت إطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين مشروطاً بالموافقة على إنهاء دائم للحرب، وهو سيناريو رفضه نتنياهو، طالما أنّه يسمح للجماعة بالاحتفاظ بأسلحتها ومواصلة حُكمها لقطاع غزة.

 

ويعتقد مسؤولون سابقون وخبراء مطّلعون على تفكير الحكومة، أنّ الضربات في قطر كانت تهدف أيضاً إلى تحريك المفاوضات المتوقفة منذ فترة طويلة مع «حماس» حول وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.

 

الفكرة، برأيهم، كانت محاولة لنقل مركز القرار من قيادة «حماس» في قطر إلى شخصيات أخرى في الحركة، بمَن فيهم القادة الميدانيّون الباقون في غزة. فهؤلاء القادة يحتجزون الرهائن ويواجهون خسائر مباشرة من الغزو البري الإسرائيلي المهدّد لمدينة غزة، التي يُعتقد أنّها آخر معاقل «حماس».

 

ويعتقد مسؤولون قطريّون ومصريّون أنّ قادة «حماس» الميدانيِّين في غزة كانوا أصحاب الكلمة الأبرز في قرارات الحرب. وأدّى الهجوم على مدينة غزة بالفعل إلى نزوح عشرات آلاف المدنيِّين الفلسطينيِّين، ويُهدّد مئات الآلاف الآخرين الذين ما زالوا في المنطقة.

 

ضغط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على «حماس» الأحد لقبول اقتراح جديد مدعوم أميركياً، وينصّ على أن تُسلِّم «حماس» جميع الرهائن دفعة واحدة مقابل وقف لإطلاق النار ومزيد من المفاوضات لإنهاء الحرب. لم توافق الجماعة على ذلك، لكنّها قدّمت رداً عاماً بأنّها مستعدّة للدخول في مفاوضات فوراً.

 

وأقرّ شالوم بن حنان، المسؤول السابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك» والمطلع بانتظام على محادثات وقف إطلاق النار، أنّ المفاوضات لا تتقدّم: «كان هناك رغبة في تحريك المفاوضات بالأدوات الوحيدة التي تمتلكها إسرائيل»، أي مزيد من الضغط والقوة العسكرية. ورأى أنّ ما تعتبره إسرائيل استراتيجية «حماس» القائمة على المماطلة «لم يَعُد يُجدي نفعاً». لكن كانت هناك مخاوف واسعة الانتشار في إسرائيل من أنّ الضربة في قطر قد تأتي بنتائج عكسية وتُعرِّض حياة الرهائن الباقين إلى الخطر إذا قرّر خاطفوهم الانتقام للهجوم.

 

غالباً ما أظهرت «حماس» أنّ اغتيال قادتها لا يُليِّن مواقفها. ففي وقت سابق من الحرب رفضت الجماعة مطالب إسرائيل بالاستسلام، حتى بعد مقتل كبار مسؤوليها وقادتها، بمَن فيهم يحيى السنوار، أحد مهندسي هجوم 2023.

 

وأكّد إبراهيم مدحون، المحلّل السياسي القريب من «حماس»: «مَن يظنّ أنّ محاولات الاغتيال يمكن أن تُرهب «حماس» وتدفعها إلى تغيير مسارها فهو واهم. فالحركة تأسست على ثقافة التضحية، وقيادتها تدرك أنّ وجودها في موقع القرار يجعلها دائماً عرضة للشهادة».

 

أمّا إيهود ياعري، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمقيم في إسرائيل، فأوضح أنّ الهدف السياسي من الضربة كان «تغيير هيكل المفاوضات»، إلى جانب السعي إلى تصفية مسؤولين بارزين لطالما كانوا في مرمى إسرائيل.

 

وأضاف ياعري، الذي يُطلَع بانتظام على تفكير الحكومة، عن مفاوضات التهدئة: «كان واضحاً أنّ كل شيء عالق، لذلك كان لا بُدّ من تغيير الدينامية». وكان معنى ذلك، بحسبه، محاولة نقل المفاوضات بعيداً عن قطر وتعزيز دور مصر الوسيطة أيضاً.

 

في مقابلته، اعتبر رئيس وزراء قطر أنّ نتنياهو لم يكن جاداً في المفاوضات خلال الأسابيع الأخيرة، مضيفاً أنّه «كان يُضيّع وقتنا فقط».

الأكثر قراءة